الوعي المجتمعي

يمنات
غازي الجابري
الوعي المجتمعي هو العمود الفقري لأي حضارة تتطلع إلى الاستقرار والتقدم. لا يكفي أن تكون هناك قوانين صارمة وأجهزة رقابية تفرض النظام بالقوة، فهذه الطريقة قد تبدو فعالة على المدى القصير، لكنها تزرع الخوف وعدم الثقة، وتجعل المواطن عبداً للخوف بدلاً من أن يكون شريكاً في بناء وطنه. عندما يعتمد النظام فقط على القمع، يتحول المجتمع إلى دولة بوليسية حيث يراقب كل تصرف وكل كلمة، ويصبح الإنسان مضطرباً، غير قادر على التعبير بحرية، ومشوش الفكر، وحينها يتحقق الانضباط على الورق فقط، بينما يظل الانحراف والفساد يتربصان في الخفاء.
أما الوعي، فهو قوة أعمق وأقوى. عندما يكون المواطن واعياً، يعرف حقوقه وواجباته، ويقدر أثر أفعاله على مجتمعه، يصبح القانون جزءاً من ثقافته وليس مجرد نص يطبق بالقوة. الوعي يولد المسؤولية، والمسؤولية تولد الاحترام، والاحترام بدوره يبني الثقة. في مجتمع واعٍ، يلتزم الناس بالقوانين ليس خوفاً من العقاب، بل تقديراً لمصلحة الجميع، ويحافظون على الممتلكات العامة، ويعبرون الشوارع بأمان، ويحترمون بعضهم البعض في كل تفاصيل حياتهم اليومية.
الأمة الواعية هي أمة حرة، ليست بحاجة إلى جدار من المراقبة، ولا إلى جيش من الشرطة في كل زاوية. فهي تنمو على القيم، على الثقافة، على الحوار، وعلى التربية المستمرة. هذه الأمة لا تتحرك فقط وفق أوامر، بل تتفاعل بإيجابية، وتبتكر، وتصلح أخطاءها، وتدافع عن وطنها دون أن يفرض عليها أحد.
التحول إلى مجتمع واعٍ ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج إلى تعليم مستمر، وتثقيف اجتماعي، وغرس قيم الانضباط والمشاركة منذ الطفولة. لكنه الطريق الوحيد لبناء دولة قوية حقيقية، دولة يحترم فيها القانون المواطن، ويحترم المواطن القانون، ويكون الانضباط فيها اختياراً، لا فرضاً.
في النهاية، الوعي هو السلاح الحقيقي ضد الفوضى، والمفتاح لبناء مجتمع متحضر، حيث يعيش الجميع بحرية، وأمان، وكرامة، بعيداً عن الخوف، والقمع، والرقابة المفرطة التي لا تثمر إلا القلق والعداء بين الناس والدولة.